"فنجان
آخر من القهوة؟"
"نعم..رجاءا"
منحت النادل إبتسامة و أنا أطلب فنجانا آخر
من قهوتي المعهودة..في ذاك المقهى الذي ألفته و ألفني..
في يدي قلمي..و أمامي أوراقي و ملاحظاتي..و
بجانبي حاسوبي النقال لأكتب عليه خلاصة ما كتب على الورق..و أتابع ما يحدث حولي..
قررت منذ زمن أنني لن يحكمني عمل
روتيني..لذا..فإنني لم أقتصر على عملي كمصمم بتلك الشركة رغم مساحة الحرية و
الإبداع التي أتمتع بها..بل قررت أن أحقق حلما آخر طالما راودني..
أن أصير كاتبا..
أنهيت عملي على ذلك التصميم الأخير..ثم قمت
بإرساله الى الشركة..لأتفرغ لما أحب..لكتابتي.
سطرت بعض السطور..التي تخرج فيضا من الكلمات
التي تحرك المشاعر لكل قرائي..الا انها لم تعبر عني يوما..
قطع حبل أفكاري جرس الهاتف الخاص بي..تناولته
لأعلم من المتصل..
"نعم؟؟"
"أريدك بالشركة حالا"
"لم؟؟ ما الخطب؟؟"
"أمر يخص التصميم الأخير"
"حسنا..سأحضر حالا"
على مضض..تركت مكاني و لملمت أشيائي..تركت
حسابي على الطاولة و توجهت صوب الشركة.
أفكار كثيرة تدور برأسي الآن..
هل رفض التصميم؟؟ هل به عيوب؟؟ لكني لم يرد
لي تصميم من قبل!
وصلت الى مقر الشركة..دلفت الى قاعة
الإجتماعات لأجد مديري ينتظرني و بجانبه شابة..
وقفت لحظة..مشدوها..
تلك العينان..
أشعر أني رأيتها من قبل..
"رحب بزميلتك بقسم التصميم..لديها بعض
الملاحظات"
"مرحبا..أدعى أريج"
ظللت أحدق بعينيها..و أنا أحس أني
أعرفها..أعرفها جيدا..
"مرحبا أريج..نادني أورفلي"
"أورفلي؟؟"
"اسم العائلة..لنا أصول تركية"
قلتها في محاولة لكسر الجليد..و لإقناع نفسي
أني أقابلها لأول مرة..أو أنني فقط رأيتها من قبل في الشركة..
"حسنا..مرحبا أورفلي"
قالتها بابتسامة..و مدت يديها
للمصافحة..فوضعت يدي خلف ظهري بهدوء لألفت نظرها أني لا أصافح..
"سررت بلقائك أريج"
قلتها بابتسامة كيلا اشعرها بإحراج..لتسحب
يدها في هدوء و ابتسامة.
جلسنا بقاعة الإجتماعات..تناقشنا كثيرا حول
التصميم و بعض التعديلات..و عيناي تختلس النظر الى عينيها..و نفس الشعور ما زال
يراودني.
"حسنا..سأجري التعديلات و أقوم بتسليمها
غدا صباحا"
"سيكون هذا جيدا للغاية"
قام كلانا..لتقول هي:
"سعيدة للقائك و العمل معك
أ.أورفلي"
"سعيد للعمل معك أيضا أ.أريج"
غادرنا القاعة..و أنا يراودني شعور أنني أعرفها جيدا..و
أننا سنلتقي كثيرا لاحقا.
استيقظت باكرا هذا الصباح..لأبدأ بالإستعداد
للذهاب لعملي..
وصلت للمقر..لأجد حركة غريبة في الشركة..
"ماذا هناك؟"
"ألا تعرف؟؟ هناك انتخابات داخلية
بلجاننا المختلفة..و انت مرشح لترقية مع آخرين"
ترقية؟؟ لم أفكر بهذا يوما..
اقتربت من لوحة الملاحظات لأرى من
المرشحين..مرشحين كثر بلجان مختلفة..منهم من يستحق الترقية و منهم لا..تابعت بنظري
حتى وصلت للجنتي..
حسنا..هذا أنا..و هؤلاء زملائي أعرفهم
جيدا..كلنا مرشح لمناصب مختلفة داخل اللجنة..
لحظة..ما هذا؟؟
إنها هي.."أريج"..
مرشحة للترقية بنفس المكان الذي رشحت له..و
في حال فوزي و فوزها..سنعمل معا كثيرا..
أحسست بشعور غريب..
يقين بانها ستفوز..يقين بأننا سنعمل معا..
لا أدري لم..لكن لهذا علاقة بأشياء لا
أعرفها..
أشياء لم أدركها بعد.
"حظ سعيد أ.أورفلي"
أخرجني صوت أنثوي من تأملاتي..لأجدها هي من
تحدثني..
و بلهجة سريعة..تظاهرت بأنني مشغول و أنا أرد
عليها:
"حظ سعيد لك أيضا أ.أريج"
أسرعت إلى مكتبي..طلبت قهوتي..و جلست أفكر
بكل ما يحدث..
كنت أراها من قبل..لكن لم أعمل معها مطلقا..
لكني في المرات القليلة التي رأيتها فيها قبل
لقائي الفعلي بها..كنت لا أشعر بأنها غريبة..
لم أفسر هذا..و لم أعره إنتباها..
لكن الآن..كل شئ يسير بإتجاه معين..
أحتاج لأن أفهم..
"ماذا بك أورفلي؟؟ رواية جديدة تراودك
مجددا؟؟"
قالها صديق عملي المقرب "أدهم"
مازحا..ليخرجني من حالة التفكير التي أمر بها..
"لا ليس كذلك..أمر يشغل بالي"
"أهي الإنتخابات؟؟"
"إلى حد ما"
ابتسم..و هو يصب بعض الماء..ليكمل:
"منافسة قوية..هه؟"
"في الحقيقة..أنا لم أفكر بهذا الأمر من
قبل..لذا لا يشغلني كثيرا"
"إذا كيف تقول أنها الإنتخابات التي
تشغلك إذا؟"
قالها ضاحكا..و هو يحاول أن يعرف ماذا يشغلني
حقا..فقد كان بارعا في ذلك..
"أمر غريب يحدث فحسب..لست متأكدا"
نظر إلى بطرف عينيه و هو يبتسم..
ثم أردف:
"إهتم قليلا ب"أريج"..أعتقد
أنكما ستعملان كثيرا في الفترة القادمة"
حدقت فيه مذهولا..و أنا أشعر أنه يعلم ماذا
يشغلني فعلا..
"لم أنت موقن أننا من سنفوز؟؟"
"أنتما تستحقانها أكثر من أي شخص آخر..و
في النهاية..إنها الأقدار تسوقنا الى مصيرنا المجهول..و إن كنا لم نفكر فيه من
قبل"
قالها..و ترك مكتبي..ليتركني في
حيرتي..منتظرا ما ستسفر عنه الأيام القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق