الفصل الثاني
لم تفاجئني النتيجة كثيرا..فكأنني كنت أعرفها
مسبقا..
لم أفزع لفوزي..و لا لفوز أريج..فلعل هذا كما
قال "أدهم" ..
الأقدار تسوقنا لمصير مجهول..
ذهبت لأتسلم موقعي الجديد..و بعقلي حيرة ما
بعدها حيرة..
لم؟؟ و كيف ؟؟
لم تسوقنا الأقدار لأن نعمل معا؟؟ و كيف يصر
عقلي أن هذا ليس اللقاء الأول؟؟
دخلت الى مقر اللجنة التي صرت أعمل فيها..و
للمرة الأولى..انظر لها بتمعن..
شابة جميلة..طولها مثالي بين القصر و
الطول..لها عينان سوداوان تشبهان أعين المها..رفيعة ممشوقة القوام كغصن البان..
تقدمت لأخذ مكاني من الإجتماع..لأجدها بجانبي
تبدو قصيرة قليلا..لمحت بسمة خفيفة على محياها و هي ترى نفسها بجانبي..
"من الأفضل أن نجلس..أليس كذلك؟؟"
قالتها مازحة..لتصنع بسمة خفيفة على شفتي..ثم
نجلس..
"حسنا إذا..سنعمل كثيرا معا..و أرجو أن
نحقق النجاح المنشود..لذا علينا ان نكسر حاجز الجليد أليس كذلك؟؟"
تحدثنا كثيرا لكسر الجليد بيننا..هي فتاة جميلة
المنطق..لبقة الحديث..خفيفة الظل..راقية الروح..
و حين كنت أنظر لعينيها في نظراتنا
الخاطفة..كنت أرى في عينيها اعجابا..و لعلها رأته في عيني كذلك..لكننا لم نهتم..أو
نفكر في هذا..
فنحن في محل عمل..و موقعنا موقع مسئولية..و
كلانا له غاية و هدف..ليس هذا ما جئنا لأجله..
طرق الباب ليدخل العامل و معه فنجاني
قهوة..وضعهما..شكرناه و مضى..
"إذا..تحبين القهوة؟؟"
"أحبها؟؟ لا أستطيع العيش بدونها"
قالتها وسط ضحكة قصيرة..لأكمل أنا..
"تعلمين..دائما ما أشعر أن القهوة ليست
كباقي المشروبات..القهوة لها روح..روح تلتحم بأرواحنا فتشعل حماسها و توقد
جذوتها..روح تنشط مشاعرنا و تلهب فكرنا"
"القهوة لها قدرة خاصة على زيادة
فرحنا..و على إخراج أحزاننا..لها قدرة خاصة على تنشيط مراكز ابداعاتنا و
خيالنا..سواء رائحتها أم طعمها"
نظرت الي نظرات تعجب و اعجاب..ثم قالت:
"يبدو انك تعرف الكثير عن القهوة"
"الحقيقة..هذا ما أحسه عندما تكون
امامي..أو حين ارتشفها"
"اذا..ما هو الشعور الذي تأججه القهوة
الآن؟"
لم أفهم غرضها من السؤال..حاولت أن اقرأ
غرضها من عينيها لكنني لم استطع ادراكه..
"الحيرة..الخوف مما هو قادم
ربما..الرغبة في تحقيق شئ ما"
همهمت هي..كأنها تحاول قراءة ما وراء
كلماتي..
"لم لا تصير كاتبا؟؟ أنت تجيد اختيار
الألفاظ..و استخدام الكلمات"
ابتسمت ابتسامة خفيفة..ثم قلت:
"في الحقيقة..أنا أكتب بالفعل بجانب عملي..و لعلني
أتجهز لنشر أول رواياتي أيضا"
خرجت من ذاك اللقاء و انا أشعر بخليط عجيب من
المشاعر..
الترقب..الخوف..القلق..السعادة..انتظار ما هو
قادم..
لقد نجحت في كسر حواجز كثيرة بيننا..
و نجحت ايضا ان يثمر اجتماعنا عن خطوات رائعة
بعملنا..
لكن..ما زلت أشعر أن ثمة أشياء ستحدث..
اشياء أكبر من مجرد عمل و خلافه..
قررت أن أعود لمنزلي..و أعود لمكتبتي..
القيت التحية على والداي..و أسرعت نحو
مكتبي..
أغلقت بابي..فتحت حاسبي النقال..أوصلته
بسماعات الغرفة المركزية..لأستمع لبعض موسيقى الكمان الهادئة..
مصحوبة بدخان البخور..و رائحة القهوة..
جلست لأرخي أعصابي..و أعطي نفسي فرصة للتفكير
و ترتيب الأحداث..
أو..لأنسى..فربما الأحداث لا تستدعي كل ذلك..
قررت أن آخذ المسار الأسهل..و أصمت..لكي
أسترخي..
و لندع التفكير لما بعد..
لا أعلم كم من الوقت نمت..لكني استيقظت على
صوت هاتفي النقال..لأجد "أدهم" من يتصل بي..
"السلام عليكم"
"و عليكم السلام..ماذا هناك؟"
"ماذا هناك؟؟ اهكذا ترد التحية على من
يهنئك بفوزك؟؟"
سمعت صوت ضحكته وسط الكلام..لكني لم أكن في
أعلى درجات إدراكي..
"عفوا أدهم..لكنك أيقظتني من نومي"
"لا عليك..سآتي لك هذه الليلة..هل
تمانع؟؟"
"لا بالطبع..يمكنك القدوم"
أغلقت الهاتف..وانا أحاول ان استرجع ما رأيت
في سباتي..أو قل..في عالمي الموازي..
"رأيت شخصا يشبهني..الا انه اشقر .. في
مرسم صغير أمام لوحاته..لكني لم أبق هناك طويلا..حيث أنتقلت معه الى مكان
آخر..مكان أقدم..
أجلس معه في مكان قديم..لا أعرف أين فلا
إشارة عن المكان..أراني هناك..امسك بريشتي و أكتب..و هو أيضا يمسك فرشاته و يرسم..
التفت لي ليقول بابتسامة:
"ها قد اجتمعنا مرة أخرى" "
قاطعني حينها اتصال أدهم..ربما لهذا كنت
متضايقا..
ترى ما سر هذه الرؤية؟؟
فالأسرار حولي بدأت بالتكاثر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق